آجال ممارسة الحق في رفض التركة
هذه الإباحة التشريعية وإن كانت تجد أساسها في عدة اعتبارات اجتماعية وأُسرية واقتصادية لا يمكن إنكارها إلا أنها تميزت بغموضها وضبابيتها لعدة أسباب من بينها:
- عدم وجود نظام قانوني متكامل
- قلة الأحكام و القرارات القضائية
- قلة الحالات التطبيقية
في هذا الإطار يتنزل موضوع آجال ممارسة الحق في رفض التركة الذي تتضح أهميته بالخصوص إذا تعلقت المسألة بمصلحة دائني التركة لاسيما منهم من شرع بعدُ في إجراءات استخلاص دينه.
عموما يمكن القول أن المشرّع التونسي لم يحدد أجلا معينا لممارسة الورثة خيار رفض التركة و هو فراغ حاول فقه القضاء تلافيه في عدة مواقف تراوحت بين التأكيد على ضرورة التقيد بأجل وذلك عبر القياس على قواعد ونصوص قانونية مشابهة وبين إنكاره تماما وترك الحرية للورثة لرفض التركة متى شاءوا. وسوف نتعرض إلى هذه المُراوحة في المواقف من خلال:
مبحث أول نسميه فترة الاستعارة
ومبحث ثاني نسميه فترة الإنكار.
المبحث الأول : فترة الاستعارة
استعار فقه القضاء في مرحلة أولى قاعدة الفصل 24 من الأمر المؤرخ في 15 فيفري 1932 (أ) ثم وفي مرحلة ثانية تم المرور إلى استعارة قاعدة الفصل السابع من مجلة التسجيل والطابع الجبائي (ب).
- أ- استعارة قاعدة الفصل 24 من الأمر المؤرخ في 15 فيفري 1932 :
درج شق من فقه القضاء على اعتماد الآجال المشار إليها ضمن أحكام الفصل 24 من الأمر المذكور من ذلك القرار الاستئنافي عدد 92154 الصادر في 06 فيفري 1991 الذي اعتبر أن المُخلف يُعتبر عاريا إذا لم يحضر من يطالب به بعد انقضاء آجال تحرير تقييد التركة أو لم يكن هناك وارث معروف أو تنازل الورثة المعروفون عن حقوقهم بموجب تصريح قانوني ضمن اجال الفصل 24 وهي ثلاثة أشهر وأربعون يوما.وهو ذات الموقف الذي اعتنقته محكمة الاستئناف بتونس صلب قرارها عدد 51726 الصادر في 18 جوان 2014.
هذا الاجتهاد يبدو في رأينا غير عصي عن النقد ومجانب للصواب خاصة إذا اعتبرنا وبكل بساطة أن الأمر المؤرخ في 15 فيفري 1932 ووفق ما ينص عليه الفصل 29 منه لا ينطبق إلا على الأملاك الموروثة من الرعايا الفرنسيين والتي ظلت دون وارث.
-ب- استعارة قاعدة الفصل السابع من مجلة معاليم التسجيل و الطابع الجبائي:
في سبيل حماية دائني التركة تصورت محكمة التعقيب صلب قرارها عـــــدد 2006-9230 المــــؤرخ في16 أكتوبر2007 أنه لا يمكن أن يكون التخلي عن الإرث غير مقيد بأجل نظرا لما في ذلك من مساس باستقرار المراكــز القانونية واستندت إلى الفصل السابع الذي نص على ما يلي :
"يتعين على الورثة أو الموصى لهم إيداع و تسجيل التصاريح بالأملاك التي تؤول أو تحال لهم بالوفاة و ذلك في أجل سنة من تاريخ الوفاة ...".
فمحكمة التــعقيب اعتــمدت أجــل السنة المفروض لإيـــداع التصاريح بالتركات
واعتبرته الأجل الأقصى الذي يمكن منحه للورثة للتعبير عن رفض التركة.
فــالوارث إما أن يصرح بالتركة و يقوم بخلاص المعاليم بما يعني قبولها من طرفه أو يصرح برفض التركة و يعبر لقابض التسجيل عن رغبته في ردها .
ويمكن مناقشة موقف محكمة التعقيب من زاويتين :
• افترضت محكمة التعقيب أن جميع التركات يقع تقديم تصاريح بشأنهــا وهو افتراض غير منطقي و يجعل هذا الحل غير ممكن التطبيق بالنسبة للتركات غير المصرح بها.
• لا يمكن ربط قبول التركة في القانون التونسي بأي إجراء جبائي نظرا لتبني المشرّع لمبدأ الإنتقال الآلي للتركة ما لم يعبر الورثة عن رغبتهم في ردها .
المبحث الثاني : فترة إنكار الأجل
غيرت محكمة التعقيب موقفها بمناسبة القرار عد 78416 الصادر في 18 فيفري 2014 والذي أنكرت صلبه مسألة الأجل (أ) إلا أن ذلك لن يمنع من تقييم هذا الموقف وتنسيبه (ب)
-أ- موقف محكمة التعقيب:
اعتبرت محكمة التعقيب صلب هذا القرار أنه "وبالرجوع إلى أحكام الفصل 241 من مجلة الالتزامات والعقود فإن المشرع التونسي لم يحدد أجلا وصيغا معينة لتصريح الورثة بتنازلهم عن قبول التركة وعليه يبقون على حقهم إلى انقضاء آجال مطالبتهم من الدائنين للتعبير عن تنازلهم عن قبول تركة مورثهم بالصيغ الدالة على ذلك بحيث تكون محكمة القرار المنتقد قد أحسنت تطبيق الفصل 241 م.ا.ع لما اعتبرت الحجة العادلة التي احتجوا بها دالة على ذلك واستبعدت أحكام الفصل السابع من مجلة التسجيل والطابع الجبائي..."
كما أكدت محكمة التعقيب صلب نفس القرار أن الورثة يمكنهم التعبير عن رفضهم للتركة بجميع الوسائل بشرط أن تكون ثابتة التاريخ.
-ب- تقييم موقف محكمة التعقيب:
يبدو لنا هذا الموقف متطرفا بالضرورة في أحد الاتجاهين إما نحو حماية الورثة أو نحو حماية الدائنين وربما صندوق الدولة و الحل الأسلم في اعتقادنا يمكن استلهامه من أثر التخلي عن الإرث في حد ذاته فإذا تعلق الأمر بأثره فيما بين الورثة فقد يكون من قبيل لزوم ما لا يلزم أن نحدد لهم أجلا لممارسة حقهم في رفض التركة طالما أنه حق مشروع و لا يخالف النظام العام .
أما إذا تعلق الأمر بحقوق الغير كدائني التركة مثلا فيجب تطبيق قواعد الأثر النسبي للكتب بحيث لا يمكن أن يفاجأ دائن شرع فعلا في تتبعات قضائية لأموال التركة بكتب تخلي صادر بتاريخ لاحق عن أحد الورثة قد يهدد في صورة اعتماده بإبطال الإجراءات التي تم الشروع فيها .
نتيجة لذلك يكون لكتب رفض التركة نفاذ دائم فيما بين الورثة مهما كان تاريخ تحريره مقارنة بتاريخ وفاة المورث وعلى العكس من ذلك يكون نفاذ نفس الكتب تجاه الدائنين موقوفا على المستوى الذي بلغته إجراءات تتبع أموال التركة .
*/**/*
على العموم لا يخفى على أحد أن الفصل 241 من مجلة الالتزامات والعقود وبعد أكثر من قرن على وضعه أصبح يستوجب تدخلا تشريعيا لمراجعته و جعله منسجما مع الواقع الحالي ومستجيبا لشروط تطبيقه وذلك بالأخذ بعين الاعتبار عدة معطيات أهمها:
- توضيح النظام القانوني لرفض التركة
- حماية الورثة
- حماية الدائنين
- حماية الدولة من تلاعب الورثة عندما تتوفر فيها صفة الوارث.
وفي انتظار ذلك يبقى الأمر موكولا لفقه القضاء وللإدارة العامة للتشريع الجبائي صلب وزارة المالية وللديوان الوطني للملكية العقارية لتلافي مختلف النقائص التي تشوب مؤسسة رفض التركة التي أصبح الالتجاء إليها يزداد يوما بعد يوم.
إعداد الشاذلي العزعوزي

محرر أول للعقود بالإدارة الجهوية بالقيروان 2020
الشاذلي العزعوزي

محرر أول للعقود بالإدارة الجهوية بالقيروان 2020
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
التسميات
قانون الأحوال الشخصية
Labels:
قانون الأحوال الشخصية
- الحصول على الرابط
- X
- بريد إلكتروني
- التطبيقات الأخرى
تعليقات
إرسال تعليق